لطالما تخيلت النهايات حاسمة! ربما بتأثير من الميل العربي للدراما؟ لطالما انتظرت نهاية أي حدث أو قصّة أو علاقة كنقطة واضحة ومحدده، فاصلة بين ما قبلها وبعدها معلنة مراحل مختلفة جذريا. ويبدوا أن هذا التصّور مريح كونه يَعِد بتغيّر الأحوال ما يبعث الأمل، وحتى في حال التغيير للأسوء فإن النهاية الحاسمة ربما تكون مريحة في كونها تقطع باب الرجاء الذي يدخل منه القلق والكثير من الاحتمالات، ولست صديقا للتوتر وإن لازمني معظم حياتي.
في سنواتي الأخيرة بدأت أزيد من مساحة التأمّل والنظر والتفكّر (الانعكاس) في حياتي، وكان أحد النتائج التي تعلمتها عن نفسي أن النهايات لم تأت حاسمة كما كنت أتخيّل، وإنما عادة ما كانت طويلة ممتدّة وتدريجية! صحيح أني غيّرت تخصصّي بضربة قاصمة ولحظة حاسمة، ولكن أغلب أحداث حياتي الرئيسة دَرجت بها أيامي على مراحل ووقت ليس بهيّن، مثل حصولي على الوظيفة والبعثة التي تعسّرت والزواج الذي تأخّر لسنوات والتخرّج الذي مرّ بأكثر من عنق لزجاجة واحدة. في كلّ مرّة كنت آمل بانبلاج الفجر وفرحة تأتي دفعة واحدة، لأجد سلسلة من الانفراجات الصغيرة مخلوطة أحيانا بنهايات مسدودة وتعديل بالمسار مع تنازلات، ما جعلني أصل لنهاية النفق مُتعبا ولست مزاج مثالي للاحتفال
اليوم هو التاريخ الرسمي لانتهاء علاقتي بعملي، مع وجود بعض الإجراءات الروتينية العالقة لإخلاء الطرف! قررّت ترك العمل قبل أربع سنوات عندما رسخت قناعة بكوني في مكان غير مناسب. في مرحلة سابقة تقدّمت بإجازة بدون راتب، ثم عُدت محاولا التأقلم، ثم عاد الاحتراق الوظيفي وبدأت البحث عن بدائل، ثم قررت الإستقالة دون وظيفة. قدّمت الاستقالة في أبريل، وكانت خطوة كبيرة مهنيا وماليا ونفسيا، وبدأ سيل المناشدات من الزملاء أملا بالرجوع عن قراري. بعد شهر من المحاولات اقتنعوا بكوني قضية خاسرة وتمّ قبول الاستقالة. بدأت مرحلة تسيير أمور العمل شهرين إضافيين، ثم انتظار الإجراءات الإدارية حتى صدور قبول الاستقالة، واليوم هو اليوم الذي تكون فيه استقالتي رسمية! ستكون هنالك عودة لإكمال إجراءات إخلاء الطرف وأخرى لاستلام المستحقات، ومن يعلم ماذا أيضا؟
على الرغم من التدّرج في مغادرتي للعمل، إلا أني أحسّ بأنها علامة فارقة، آمل أن تكون في اتجاه ايجابي. مشاعري مختلطة تجاه عملي الذي شكّل خيبة كبيرة وكان مصدرا للاحباط والتوتر خلال السنين الستّ الماضية، لكّنه أيضا كان البوابة التي مررت عبرها لتجارب عظيمة أعادت تشكيل حياتي وتعرّفت فيه على أصدقاء أعزاء أعدّهم ضمن أسرتي وأحنّ إلى كاسات الشاي والقهوة في دفء جلساتهم الجميلة
أسعى الآن إلى نوع جديد من العمل مختلف نوعيا عن السابق، عمل يخاطب الروح أكثر، نافذة على مجتمع جديد من أرواح نبيلة وجميلة تلهمني أن أكون إنسانا أفضل وربّما فنانا؟
شكرا
الرياض، الثالث عشر من أغسطس ٢٠٢٤