موسوم

لا ينفك الإنسان عن أوصافه، ولا تنفك تلك الأوصاف عن التأثير فيه

بسبب الخبرة الشخصية وأيضا بحكم التخصص، أنا واعٍ بتأثير الوسوم على الإنسان وأستطيع أن أعدد مجموعة منها أثّرت بي إيجابا وسلبا، إلاّ أني وحتى الآن لا أظن أن أي وسما وصفة قد حدّدت مصيري أو نظرتي لنفسي، بشكل جذري على الأقل. 

في أفقي القريب تلوح وسوم (ليبل) ربما يكون لها وطء مختلف على روحي ولربما مصيري (بالمعنى العام)، يبدو أنها مختلفة عمّا سبقها في كونها شخصية جدا، بينما الوسوم السابقة كانت غالبا اجتماعية، تفترض انتمائي لفئة ما، بينما لا يهمني هذا النوع من الافتراضات كثيرا حتى وإن ترافق مع تكلفة ليست يسيرة. بدوي، خليجي، رجل، أكاديمي، وغيرها من أوصاف لم تلامسني بعمق يعيد تعريف نظرتي لنفسي مثل مكتئب، مضطرب، مريض نفسي أو مصاب بتشتت الانتباه وفرط الحركة أو ربما حتى التوحّد! 

أحد الجوانب المخيفة في الوسوم النفسية هو كونها خفيّة، فلا أحد يجادل في كوني من خلفية بدوية لكني أنا وعلى الرغم من المخزون الكبير من المواقف المتنوعة والذكريات الواضحة عن نفسي، أجدني أتذبذب بين إحساسي الواضح أحيانا بمعاناتي من مشكلة نفسية واختلاف سلوكي جذريا عن التيار العام من البشر “الطبيعين”، وبين إحساسي أحايين أخرى أني – وعلى الأقل بعد الثلاثين- شخص يحظى بقدر عالٍ من السواء النفسي لا يتحصل لكثيرين، يطلب بعضهم مني النصيحة والتوجيه! 

جانب آخر أخشاه من وسوم النفس هو التشخيص. أن أوصف بما ليس بي ولكني أصدقه واستدخله كجزء من هوية جديدة وابتدأ التصرف بناء عليها، فأكون حبست نفسي في قالب ضيق يحرمني من خيارات وتجارب قيمة في الحياة.

كما أخشى في وسم النفس جانبه المادي الأحيائي (بيولوجي) الذي قد يكشف أن هنالك علّة أصيلة في تكويني الجسدي بما يشبه الإعاقة، فيحيلني إنسانا ناقصا يحتاج المساعدة، ولربما ينتقص أيضا من أهليّتي ويدخلني (والآخرين) الشكّ في قراراتي ويحيلني للاعتماد على الآخرين، عبئا عليهم وضعفا لم اعتده! 

في عالم مثالي لأحببت أن أعالج ذاتي وروحي بنفسي، عبر القراءة في تجارب الآخرين والتأمل والرياضات الروحية، وفي سيرتي الذاتية ما يشفع لذلك من تغيّر كبير في شخصيتي بعد المراهقة. لكن، يبدو أن هنالك حدوداً لمساعدة الذات وانكساراٍ ضرورياً للأنا يستجدي طلب مساعدة الآخر المتخصص، وهنا عندي آمل أن يسلك شفائي طريقا يتجنب الأدوية ما أمكن تجنبا لشعور العجز الذي يستثيره فقدان التحكم بجسدك المكسور والمحتاج لمادة تصلحه، بالإضافة لخطر الآثار السلبية للدواء. 

أوؤمن أني كيان دائم التغيير بوسوم تأتي وتروح، وأجد في نفسي سكينة على الرغم من الخوف، وتقبلا لما يأتي ورغبة عامّة في التخلّي عمّا أنا عليه، آملا في النمو لشخص أفضل، أكثر حكمة وفهما لنفسي.

 

شكرا 

الرياض، الخامس من أغسطس ٢٠٢٤