داخل الغيمة أروم إبصارها

بدأت أكتب لتوضيح التشوّش في أفكاري وربما للتنفيس عن مشاعري بشكل أفضل. في ذهني حضر توثيق التجربة ومشاركتها وربما شَحْذ مهارتي بالكتابة، لكن الأهداف الأخيرة ليست أولوية.  حتى الآن أشعر بالرضى عن التجربة وممتنّ لأحبتي الذين تفاعلوا معها تعاطفا أو وجدوا فيها ما يعكس بعضا من تجربتهم

أشعر بأن صحتي النفسية حاليا أفضل وربما ساعدت الكتابة والمشاركة في ذلك، حيث وجدتني أميل للتحدث عن معاناتي أكثر وأعمق مع الأصدقاء، وأظنّ ذلك ساعدني. ألمس تشكّل جزء جديد من هويتي يتضمّن جوانب قصور (الاكتئاب وتشتّت الانتباه وغيرها) كانت تُداعب خيالي من بعيد وبشكل مسلِّ سابقا ولكنها اليوم أكثر وطأَة وأكثر واقعية، بدأتُ في تقبّلها وأحاول التعايش مع جوانبها السلبية والإيجابية

لا أظنّ أني نجحت في توثيق التجربة بشكل جيد، كون المعاناة حاجزا دون النّظر المتأمّل وحتى التركيز الكافي. يَصِف الغربيون حِجاب الرؤية عند الانغماس بالتجربة بكونه سميكا (ان ذا ثك اوف ات) ويقولون أيضا بأنهم لم يخرجوا من الغابة (نوت أوف اوف ذا وودز) ولا شك أن كثافة الأشجار والأغصان معمية عن المشهد الكامل. ربّما تكون هنالك دوافع نفسية أعمق منعتني من التفصيل أكثر بالتجربة وتحليل أفكاري ومشاعري، وربّما التفسير الأوضح هو الكسل

في جلسة العلاج الأخيرة قُمت بتمرين أسجّل فيه نشاطي اليومي على مدار الساعة مقيّما الأحداث من حيث متعتها والفائدة منها. التجربة مثيرة كونها تجعلني أكثر وعيا بتفاصيل حياتي وتصبّ في مبدأ قصدية الحياة (مايندفلنس)، ولكني لا أفضّل الجانب الآلي فيها متمثلا بتدوين التفاصيل الدقيقة ولا الجانب الكمّي الذي يختزل تجربة العيش في تقييم رَقَمي ضِمن خمس أو عشر خيارات!  أعتقد أن هذا التمرين من المفترض فيه رسم صورة أدقّ عن خارطة المزاج بشكل عام ومتى انخفض والعوامل المؤثرة فيه، ولكن أشكّ بأن لحظة انخفاض لمدّة قصيرة تحمل من المعاناة ما يرجح كفة مزاج جيد لأيام. 

سألني المعالج عمّا أريد الخروج به من العلاج النفسي؟ كان واضحا تركيزه على النتائج “الملموسة” مثل قضاء وقت ممتع مع الأصحاب أو انتظام النوم أو ممارسة مهام محددة، وسقطت كلماته على سطح روحي، كوني أرى معاناتي أعمق من تلك الأعراض التي يأمل “معالجي” إعطائي “مهارات” وأدوات لتحقيقيها. أبحث عن بوصلة ويقدم لي معالجي صندوق عدّة

أعلم أن المعالج ليس منقذا وأن الرحلة بشكل أساس على عاتقي ولكن أشكّ في خطواتي المترددة بين الطرق الكثيرة التي ربما يؤدي كثير منها لأماكن جيّدة. أسعى لفهم نفسي أكثر وكلّ جهد يسهم في ذلك فهو توفيق آمل أن يخفّف المعاناة، حتى وإن لم يكن له أثر فوري. وإن كنت متشككا في نجاعة العلاج أو عدم وضوح اتجاهه إلاّ أن تأثير الأحبة على روحي ودعمهم اللطيف لهو أمر جليّ، أشعر بالامتياز والامتنان على وجودهم في حياتي

شكرا 

الرياض في الثالث من سبتمبر ٢٠٢٤ 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *