عقل غير جميل


“Life is not a problem to solve, but a reality to be experienced”

لا أعلم إن كانت كلمة “تشويش” عربية أصيلة وكون دلالتها موجودة قبل شيوع المصطلح الانجليزي (كونفيوشن). عندما أفكّر بأن شخصا ما “مشوّش” يخطر في بالي أنه فقد تركيزه للحظة وكانت من قبل رؤيته واضحة للأمور، بينما تجربتي الشخصية لا يسعها مصطلح التشوّش كون حالتي الذهنية بشكل عام يغلب عليها التشتّت وعدم الوضوح

هنالك الكثير من الوسوم والمصطلحات النفسية التي تصف حالات شبيهة مما اختبره شخصيا ويعمّق احساسي بكوني في أفضل الأحوال مختلفا عن “الآخرين”، وفي أسوؤها أعاني من مرض أو قصور جسدي. جزء مهمّ من تصوّري عن شخصيتي ومصدر أساسي لتقدير الذات عندي مصدره ذكائي، والذي تم تعزيزه من قبل آخرين وتجارب عديده. مع ذلك، كثيرا ما أجد نفسي في مواقف ضاغطة ومحرجة بسبب ارتكابي لأخطاء غبية، بمعنى كونها واضحة وبسيطة يمكن تجنّبها بالمنطق السليم وبالحدّ الأقل من الملاحظة. 

كنت أنظر لهذه “الهفوات” كجزء من الغرابة المقبولة للعبقرية وضريبة بسيطة لها ولربما تضفي عليها هالة غموض وجاذبية مثل شعر اينشتاين المنكوش. مع الوقت أدركت بأني لست عبقريا وأن “الهفوات” ليست نادرة وليست بسيطة ولها أثر سلبي وملموس على حياتي اليومية. ومع هذا الإدراك المتأخر بدأت أتساءل عن الدور الذي تلعبه هذه الحالة الذهنية في مشكلة الإكتئاب التي أعايشها من فترة طويلة والتي يبدو أنها تسوء

أحس بأني عقلي مقفل والمفتاح داخله، فالتشتت يمنعني من التفكير بوضوح في المشكلة لفهمها أملا في محاولة التغيير للأفضل، وحتى كتابة هذه الكلمات أجاهد فيها عقلي الذي ينزع للقفز نحو أفكار أخرى غير التي أناقشها حاليا أو يريد العودة لمراجعة الجزئية التي كتبتها مسبقا، أو يفكر في أخذ راحة وتناول كراواسان!  قبل أيام تصفحت بعض الكتب حتى أقرّر الاحتفاظ بها، ولاحظت أني في الصفحات الأولى أخطط على سطور كثيرة وأكتب ملاحظات عميقة، بينما باقي صفحات الكتاب وكأنها لم تمسّ. 

تبدو بعض المواقف مضحكة عند تذكّرها أو رواياتها للأصدقاء وفي مجالس الأهل، لكنها مؤلمة في لحظات معايشتها أو عندما ترعبني إمكانية الإصابة بالخرف المبكر (الزهايمر). أوصلت صديقا للمطار وجلست معه حتى لحق برحلته وعندما عدت للمواقف لم أجد سيارتي! بحثت أكثر من مرة وفي كل الصفوف وعدت من حيث أتيت لأتأكد أني بالمكان الصحيح، بلا فائدة فتيقنت أني لم أطفئ السيارة (حصل سابقا) فسرقت. قضيت نصف ساعة تقريبا “لأكتشف” بعدها أن سيارتي كانت في طابق مختلف. هذا بالإضافة إلى المرات العديدة التي “تختفي” بها الأشياء لأجدها لاحقا أمامي، أو بوابات المطار التي أخطئ فيها وصعوبة قراءة لوحات الطرق

عندي قناعة ليس بسيطة بمعاناتي من “تشتّت الانتباه وفرط الحركة” ولربما خَفَت فرط الحركة خاصة في السنوات الأخيرة إلا أنه كان واضحا في طفولتي التي جَريت فيها أكثر مما مشيت، وحين كنت أمشي كنت أتجنب الخطوط على الأرض وألمس الجدار بجانبي، إضافة لمعاناتي الطويلة مع الرهاب الاجتماعي الذي تأقلمت معه منذ الجامعة. هذه القناعة بمعاناتي من تشتّت الانتباه يرافقها شكوك بتقاطع خبرتي مع حالات أخرى مع التوحد والوسواس القهري، ومن اطلاعي البسيط عبر تجارب الآخرين في شبكة الإنترنت يبدو أن هذه الحالات تتداخل وأحيانا ما توفر بيئة خصبة للاكتئاب

لا أظنّ أن من الحكمة القفز لاستنتاجات والسعي لتشخيص يقيدنا في صناديق صغيرة تضيق على الخبرة الشخصية المتمايزة، هربا من مسؤولية رحلة فهم الذات وإلقاء لتلك التبعية على الآخر المختصّ، الذي ربما يسلك هو أيضا اختصارا آخر عبر تقديم لصقة طبية عاجلة وسطحية تعالج الأعراض بدواء أو مهارات موقفية ولا تتعرف على جذور المشكلة وتسعى نحو تصميم علاجي يناسب الفرد وظروفه وتجربته وشخصيته ومعاناته الخاصة

ملاحظة: عادة ما أكتب تدوينة وأوثق مكان وتاريخ كتابتها، لأعود لنشرها لاحق، لكن يبدو أن حديثي هنا شتّت انتباهي عن ذلك! 

شكرا 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *