الاكتئاب أكثر من حزن، أكثر من كونه حزنٌ ممتدّ وعميق. أزعم بأني عَشت تجارب كثيرة صعبة وتعايشت مع ظروف قاسية جدا وصراعات كثيرة، لكن ما أعايشه الآن تحت مسمى الاكتئاب يبدولي تجربة مختلفة نوعيا. في السابق كنت واعيا بالتحديات وأحس بالألم وحتى الحزن، لكن يبدوا أني كنت أحس بالقدرة على مواجهة تلك الظروف أو إيجاد طريقة للتعامل مع العقبات أو حتى تقبلها، بينما تبدو روحي اليوم متعبة وغير قادرة على مواجهة ظروف أقلّ صعوبة وشدّة مع إحساس بالاستسلام، وكأني رياضي سابق فَقَد لياقته وأعياه المرض حتى عن صعود السلّم!
من الأحاسيس الجديدة التي رافقت الإكتئاب هو إحساسي بفقدان التحكّم، على الظروف وعلى سلوكي وحتى جسدي! أصبحت وكأني مُتفرج على نفسي وأنا أصبح أقلّ حماسة وتجاوبا وبطئا في الحركة وأكثر صمتا ووجوما، دون أن أفكّر بهذه الأشياء وكأنها “تحصل لي” كما تحصل لأي شخص آخر غريب عني. وفي شدّة الاكتئاب حصلت ردّات فعل لجسدي غريبة وأشبه بالمرض، فإضافة للسهر والتوتر، وجدت أرتفاعا في حرارة جسدي وتنمّل لا علاقة لها بأي عدوى. حتى في الأيام “العادية” تدهمني غصّة غريبة تفاجئني كثيرا ودون مبرّر
بدأت رحلة العلاج الأسبوع الماضي ما جعلني أتعمّق في تحليل سيرتي مع الاكتئاب فوجدت أن هنالك مستويان من المزاج المنخفض، أحدهما مستقرّ ويلازمني أغلب الوقت أحسَب أنه خفيّ ولكنّه ظاهر للمقرّبين ممّن يعرفوني لمّدة طويلة، والمستوى الآخر شديد يأتي على نوبات عنيفة وغالبا يكون مرتبط بحدَثِ سلبي يُدخلني في دوّامة الانسحاب ويُغرقني في الأسى الذي يتداعى من نواحٍ عدّة، إضافة للسبب الرئيس. وجدت أيضا أن تلك “النوبات” تحدث بشكل شِبه سنوي في موسم محدّد وترتبط بأسباب متشابهة
يؤلمني أن ألمي يؤلم الأحبّة من حولي، وعندما يحاولون المساعدة ولا يجدون نتيجة أو تجاوبا مني فإن ذلك يزيد من ألمي. أُلاحظ رغبتهم المتفهّمة لمعاناتي وعدم الرغبة في اقتحام عالمي خاصة عندما أبدو منسحبا وألاحظ كيف يحاولون التصرّف بشكل طبيعي وكأني لا أعاني من شيء، ولاشكّ أن في ذلك لُطفا جمّا أقدّره وأتمنّى صادقا بأنها سحابة صيف مؤقتة، ولكني أعلم بأنه موسم مُظلم ليس بقصير. أحيانا أودّ أن يتقبّل من حولي حقيقة كوني سقيما وأني سأخرج من الجهة الأخرى حين أخرج شخصا مختلفا، فلا أحد مسؤول عن سقمي وشفائي، مع حاجتي العميقة للتقبّل والرفقة.
الاحساس بفقدان التحكّم يزيد من غرسة الشكّ بأن للاكتئاب جانبا عضويا، أو على الأقل يفتح المجال للتدخل الدوائي. هل من الحكمة أخذ الطريق الأسهل وتجربة الأدوية؟ هل أنا أسلك طريقا طويلا متعبا لي والآخرين مع معاناة إضافية غير مبرّرة بالاعتماد فقط على العلاج السلوكي والتأمل والرياضات النفسية؟
هل هو فَصل غائم في الحياة ربما يجب أن أتقبّله كما تقبّلت الفُصول المشرقة؟ صِدقا أشعر بالأمل وحبّ للحياة على الرغم من المزاج المعتم، بما يشبه مخاض نفسي غير منطقي ولا واضح المعالم، ربما لعوامل ترسّبت في نفسي لمدّة طويلة وحان استحقاق مواجهتها؟
ما أعلمه أنّ الوقت لازال الوقت مبكرا على الإجابات
شكرا
الرياض، الخامس عشر من أغسطس ٢٠٢٤