انتصاف

لم تَنتصِف سنة التفرّغ بعد ولكنّ اتضّحت معالم النصف الأول بشكل كافِ لتأمّل سريع لا يهدف للتقييم. كما توقّعت، مَضت الأيام كأمواج تَحملني أكثر ممّا أسبح فيها.  تأمّلت كثيرا في نفسي وطريقة حياتي، تأمّلا لا يتّسم بالسكينة والسلام والرضى كما رَجوت ولكنّه تأمّل أشبه بالحياة، تخلّله التوتر والألم وكثيرٌ من عدم الوضوح. لازال الطريق طويلا للحكم بالشفاء النفسي الكافي لتجنّب نوبات الاكتئاب الشديدة، ولكني اليوم أكثر استقرارا ووعيا بتقلبات مزاجي وما يمكن أن يخفضه أو يحسّنه، ويظلّ الشتاء الذي فتح أبوابه هو الاختبار الأوّل لمدى التحسّن في لياقتي النفسية ومراجعتي لبعض الأفكار المغذّية للاكتئاب

لم تَكُن الفعّالية أو الإنجاز هدفا رئيسا من هذا التفرّغ ولكني كُنت أرجوا أن أقوم بأعمال تحتاج تفرّغا كنت أؤجلها لسنين، أو على الأقلّ أُقيم هيكلها لأستطيع أن أضيف عليه تدريجيا ولاحقا حال عودتي للوظيفة. لكن، اكتشفت أن ذِهني غير قادر على التركيز في أكثر من مهمّة، وعندما أحاول عمل ذلك ينتهي الأمر بفشلها جميعا. لاحظت الشهر الماضي أني أخصّص أسبوعا للتصوير وتعديل الصور ونشرها، ثم أقضي أسبوعين للكتابة والعمل على مشروع مشترك، وقبل ذلك قضيت عدّة أسابيع متفرغا لمتابعة أعمال بناء و ترميم ضرورية. الإشكالية أني وعند أوّل فرصة أترك المهمّة وأقفز لأخرى دون إنهائها أو إهدارا لتركيز و مزاج ابداعي تكّون

أجد نفسي تميل للجدولة بمعنى تحديد مهام والتركيز عليها ضمن وقت محدد، ولكن أشكّ بأن  وجود الخطوط الميتة (ددلاين) ستحلّ المشكلة أو كونها متّسقة مع نمط الحياة البطئ الذي أرجوه خلال هذه التجربة. ربمّا أجرب “التفرّغ” كمقاربة بديلة بحيث أهيء نفسي للتركيز على مهمّة واحدة دون انتظار القفز لأخرى عند أقرب فرصة؟ ربما الحلّ في الاتجاه المعاكس عبر التخلّي عن التقويم تماما والابتعاد حتى عن الساعة والجوال الذكي؟ وربما أجد الجواب داخلي في تقبّل التجربة كما هي وعدم توقّع نتائج محددة تخيب الآمال دونها؟

يراودني خوف وشكّ في عدم إكمالي لمغامرة التفرّغ، فتتضخّم المخاوف المالية على الرغم من كون المصاريف محسوبة، وتلكز خاصرتي فكرة البحث عن فرص وظيفية قد تفوت أو لا تتوفر لاحقا، يشدّ من أزر تلك المخاوف الشبح الأكبر ذا الصوت الخافت بكوني أقوم بفعل ساذج وغير مسؤول ربمّا يكلفني الكثير. يحدّثني صديق عن فرصة وظيفة جيّدة فأخاف فواتها وأخاف حصولها! منطقيا، أنا مقتنع ومستعدّ للتضحية بسنة من عمري وجهدي ودخلي من أجل تجربة حياتية وروحية وفنيّة مختلفة، أخرج منها بفائدة أيّا كانت، ولكن عدم ثقتي بنفسي تؤرقني، ربمّا الأمور يجب أن تكون هكذا؟ أن نتقدّم رغم الشكوك؟ لا أعلم 

شكرا

الرياض في التاسع عشر من نوفمبر ٢٠٢٤